———————-
جئت لا أعلم من اين ،
ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت
وسأبقى ماشيا ان شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
قصيدة الطلاسم
– (1890-1957) إيليا أبوماضي
——————————————
أتيت في هذه الدنيا، لا أدري أين وكيف ولماذا، كل ما عرفته هو ما أرادوا لي أن أعرف، يحكون لي الكثير عن قصصي لا أدري أهي من وحي خيالهم نسجت، أم أنها وقعت وهي حقيقة، لم أعرف أبداً ذلك، ولكنهم هم من يعرف الحقيقة دائما، وأنا من لا أدري دائماً!
لا أستطيع أن أتعرف على حياتي التي عشتها منذ إدراكي الوعي، لأنها كانت حياةً هم من رسمها وخططها، وما علي أنا إلا أن أنفذها وبالحرف الواحد كما يقولون، لم أكن كائنا حياً حر الإختيار أكثر من كوني مجرد آلة أنفذ ما قد يطلب مني، حتى هواياتي وإهتماماتي ترسم لي، وصداقاتي تحدد لي دائما، وأنا أنفذ، فلقد تم تحييد عقلي وفكري وجعله على مقاسات ما أرادوني أن أكون.
تعلمت النفاق جيداً في صدر حياتي حتى أستطيع دوما أن أنال رضاهم الدائم وأفوز به، ولكن ما إن أختلي في وحدتي حتى أتعذب مما أفعله في حياتي لأنه ليس ما أردته، وعن ما أردت أن أفعله ولا أستطيع فعله، لم يستطع أن يساعدني أحد في ذلك! لم تحدث قط أن يتعبوا أنفسهم بأن يعرفوا تلك الروح الهائمة في داخلي، لم يلاحظوا أن تلك الضحكات والفرحة التي يسمعونها أنني أغتصبها من نفسي إغتصاباً، لم ينظروا في عيني لمرة واحدة ليروا أنها فقدت بريقها وأصبحت نظراتي كئيبة باردة كالثلج.
وإن لم يستطيعوا أن يحسوا بما أعانيه، لم يحاولوا قط أن يسألوني ماذا أريد أبداً، هم أرادوا أن يصنعوني بأيديهم لأكون ماذا يريدون لا ما أريده! كل شيء يتم التخطيط له لا أعرفه إلا أن يحين وقت التنفيذ لأنفذ ما يقولونه.
أصبحت الحياة بعد فترة بائسة حزينة، حتى بدأت فترة المراهقة، بدأت أتمرد على ما يقلونه بشكل واضح وجريء بطريقة لم يعهدوها مني، حاولوا أن يحتوا إنفعالاتي بقسوة وعنف وأن يقمعوا ثورتي على نفسي وحياتي، على تلك القيم التي زرعوها في داخلي برغم عني، أنتقم لروحي الهائمة بعيدة عن جسدي، أحاول أن أسترد حياتي وجسدي منهم.
بدأت أعبر عما أريده وأرفض ما يفرض علي إن لم أكن مقتنعا بذلك، لم يجد ذلك نفعا، بكيت وتوسلت كثيراً لهم فكانوا يجيبونني بالعنف والقمع، فأصبحت الحلول العقلية غير قادرة على معالجة الأزمة، من هنا يبدأ العقل بالتلاشي، ويبدأ الجنون في الطغيان.